الثلاثاء، 9 مارس 2010

خارطة التيارين السني والشيعي في سورية

أولاً - خريطة التيار السني في سورية:

يتوزع التيار الإسلامي السني في سورية على أربعة اتجاهات هي :

1- التيار الصوفي : وهو تيار عميق الجذور في المجتمع السوري، ويكتسب شعبية كبيرة مستمدة من التبجيل والاحترام اللذين تتمتع بهما رموزه القديمة والمعاصرة. ويُعتبر التيار الصوفي من أقدم التيارات الإسلامية في سورية، حيث لعب دوراً تاريخياً هاماً في ممارسة الأنشطة الإسلامية والتعليم الديني منذ أن نشره الحكم التركي العثماني طوال أربعة قرون. وبالطبع بدأ هذا الدور يتراجع بشكل كبير لصالح باقي التيارات الإسلامية في سورية. واليوم يتركز نفوذ التيار الصوفي في سورية في مجمع أبي النور الإسلامي، وهو عبارة عن مسجد ضخم ومعهد شرعي يتولى سنوياً تخريج أعداد كبيرة من طلاب العلوم الشرعية (سوريين وعرب وأجانب). ومن أهم رموز التيار الصوفي في سورية الشيخ الراحل أحمد كفتارو مفتي سورية سابقاً، وهو يُعتبر المرشد الروحي للتيار الصوفي في سورية ممثلا بالطريقة النقشبندية. ويتمتع أحمد كفتارو باحترام كبير وتبجيل مبالغ به وسط أتباعه، وذلك وفق التقاليد الصوفية التي تتمحور حول شيخ الطريقة. ويلي كفتارو في الأهمية رجب ديب الذي يُعتبر خليفته الروحي في زعامة التيار الصوفي السوري (يتمتع رجب ديب بنفوذ واسع النطاق في لبنان في أوساط المسلمين السنة). ويُعتبر التيار الصوفي في سورية من أكثر التيارات الإسلامية تنظيماً ونفوذاً وذلك لأسباب متعددة:
  • فهو يحظى بالدعم والتأييد من المؤسسة الحكومية التي ترى فيه حليفاً لها، سيما وأن التيار الصوفي يتجنب الخوض في السياسة، ويُحرّم مناقشة الشؤون السياسية في المساجد والخطب والدروس الفقهية، ويكتفي في هذا الجانب بتكرار الخطاب السياسي الحكومي من منظور إسلامي.
  • يقوم التيار الصوفي السوري (ممثلاً في جماعة كفتارو – أبو النور) على نظام التدرج في الإشراف على الحلقات الدينية، التي تبدأ بحلقات تحفيظ القرآن للأطفال وتنتهي بالمجلس الفقهي لمجمع أبي النور. وهذا ما يكسب التيار الصوفي قدرة فائقة على المتابعة والإشراف والتنظيم.
  • يمارس التيار الصوفي (أبو النور) شبكة واسعة من الأنشطة الدعوية والتعليمية والإرشادية فضلاً عن الأنشطة الاجتماعية والترفيهية لأتباعه الملتزمين بحلقاته (مثل الرحلات والنزهات).
  • يتمتع التيار الصوفي بعلاقات جيدة مع بعض كبار رجال الأعمال في دمشق المنتمين للتنظيمات الماسونية، مما يوفر له تمويلاً ضخماً لتغطية نشاطاته المتعددة.
وتتركز شعبية التيار الصوفي في أوساط الفئات محدودة الثقافة والتعليم، والتي تجد في تعاليمه البسيطة زاداً روحياً هاماً. في حين تتضاءل شعبيته بشكل ملحوظ في أوساط الفئات الأكثر ثقافةً وتعليماً، حيث تنظر إليه كتيار خرافي متخلف.

2- التيار السلفي:
بدأ هذا التيار يتصاعد بقوة في سورية منذ الاستقلال، مع تصاعد التيارات السلفية في الدول العربية المجاورة والإسلامية عامة. ومن أهم المرجعيات الفكرية للسلفيين السوريين: الشيخ عبد القادر الأرنؤوط والشيخ ناصر الدين الألباني -رحمهما الله- والشيخ عيد العباسي، فضلاً عن المرجعيات التاريخية المعروفة مثل ابن تيمية وابن القيم. وقد شكّل قدوم عدد كبير من الطلاب الجزائريين للدراسة في المعاهد الشرعية السورية، رافداً كبيراً للتيار السلفي. إذ إن معظم هؤلاء الطلاب من المنتمين للتيار السلفي. وقد أصبح معهد الزهراء الشرعي (غالبية طلابه من الجزائريين السلفيين) والمسجد التابع له (مسجد دك الباب) المعقل الرئيس للتيار السلفي في سورية. كما لعبت الملحقية الثقافية السعودية دوراً في نشر الفكر السلفي، وذلك من خلال توفير الكتب والمراجع والأدبيات السلفية الفكرية.
يُعتبر التيار السلفي من التيارات المحظورة والمراقبة أمنياً في سورية. إذ لا يُسمح مثلاً بتداول الكتب السلفية، وعلى وجه الخصوص مؤلفات ابن تيمية وناصر الدين الألباني ومحمد بن عبد الوهاب ومعظم علماء السعودية. كما توقفت الملحقية الثقافية السعودية في الآونة الأخيرة عن نشاطها في توزيع المطبوعات المجانية السلفية (بتحريض من الدكتور الضال سعيد البوطي الخصم الفكري العنيد للسلفية في سورية). وبنتيجة ضغوط أمنية انتقلت دار المكتب الإسلامي (التي كانت تتولى نشر وتوزيع مصادر الفكر السلفي) إلى لبنان. وبات أتباع التيار السلفي يترقبون معرض الكتاب السنوي الذي يُقام في مكتبة الأسد للحصول على بعض الكتب السلفية التي يتمّ إدخالها تهريباً خلال فترة المعرض عبر بعض دور النشر اللبنانية والمصرية. كما تمّ تضييق الخناق على أهم منظري التيار السلفي في سورية، فمُنع عبد القادر أرنؤوط من الخطابة تحت ضغط أتباع كفتارو، وتمّ إبعاد ناصر الدين الألباني إلى الأردن. وقد شهدت سورية في الآونة الأخيرة بعض الانفراج في التعامل مع التيار السلفي، فقد لوحظ في معرض الكتاب السنوي مؤخراً وجود ملحوظ لعدد من كتب ابن تيمية والألباني وابن باز وابن عثيمين. ومن المعروف أن معرض الكتاب السنوي هو المعُبّر عن التوجهات الرقابية الرسمية حيال الكتب والمطبوعات في سورية إضافة إلى وزارة الإعلام.

3 - التيار الأشعري : ويمثل هذا التيار في واقع الأمر طيفٌ واسعٌ جداً من الاتجاهات الفكرية التي يجمع بينها قاسم مشترك واحد وهو: رفض بعض ممارسات الصوفية، وعداء أفكار السلفية، والتعامل بشك مع الاتجاهات التحديثية في فهم الإسلام. ولعل من أهم ممثلي هذا التيار في سورية الدكتور سعيد بن رمضان البوطي الذي بدأ نجمه يلمع بقوة في أواسط الثمانينات لعاملين اثنين:
  • الدعم اللامحدود من المؤسسة الحاكمة في سورية للبوطي. وبموجبه تمّ منح البوطي حرية كبيرة في العمل والدعوة وممارسة الأنشطة الإسلامية، مقابل إظهار التأييد المطلق للنظام السوري. وقد عمل النظام البعثي في سوريا على إظهار البوطي في جميع المناسبات والندوات التي تتطلب وجود ممثل للتيار الإسلامي. كما تمّ تخصيص برنامج أسبوعي له في التلفزيون السوري.
  • امتلاك البوطي لقدرات شخصية متميزة في الخطابة والتأثير في المتلقي فضلاً عن تمكنه في اللغة العربية وأسلوبه الأدبي في الكتابة والتأليف .
وللدكتور البوطي دروس علمية أسبوعية في بعض مساجد دمشق (فضلاً عن خطبة صلاة الجمعة التي يلقيها في مسجد الرفاعي). وجميع دروسه وخطبه تنتشر بسرعة في أوساط مريديه من خلال أشرطة التسجيل السمعية وأقراص الكومبيوتر. كما أن له عدداً كبيراً من الكتب والمؤلفات التي تعالج مواضيع إسلامية مختلفة برؤية معاصرة. ويتمتع البوطي بشعبية كبيرة ومتزايدة في أوساط المثقفين والجامعيين الذين يشكلون القاعدة الأساسية لمريدي البوطي في سورية. وقد عُرف البوطي بخصومته الفكرية العنيفة مع التيار السلفي. ويبدو أنها بدأت بخلاف شخصي مع أهم منظري السلفية في سورية وهو الشيخ ناصر الدين الألباني حيث دارت بينهما سلسلة من الحوارات والتعقيبات التي لم تخلُ من قسوة العبارة أحياناً. كما أن البوطي قد لجأ إلى السلطة لتصفية بعض خصومه من السلفيين.
ومن رموز هذا التيار أيضاً الدكتور وهبة الزحيلي الباحث الفقهي المعروف، ولكن من الواضح أن سمة (الفقيه) تطغى على سمة (المفكر) عنده. ومن رموز هذا التيار هي جماعة القبيسيات. وهي وإن لم تكن أشعرية العقيدة، إلا أن تأثرها الشديد بالبوطي واضح.

4- التيار العقلاني: وهو التيار المنادي بتقديم قراءة معاصرة للإسلام تتجاوز الفهم الحرفي والتقليدي. وتنتمي إليه مدارس التجديد التحديثية و اليسارية، وهي التي تقدم قراءة ذاتية وشخصية للنص الديني لا تنسجم بالضرورة مع أصول وقواعد فهم النص. وهذا التيار يتمثل بعدد من المفكرين العقلانيين، لكن نسبة انتشار هذا التيار على المستوى الشعبي ضعيفة. وكأن مهمته نشر شبهاته هنا وهناك. ويتمتع هذا التيار بدعم وتمويل حكومي أو غربي قوي.
ومن أهم رموزه: الدكتور الماركسي مهندس التربة محمد شحرور الذي قدم عدداً من الأعمال الفكرية  التي أثارت جدلاً كبيراً في الأوساط الإسلامية من أهمها "الكتاب والقرآن". وبالرغم من تزكية روبرت بللتشرو -وكيل وزارة الخارجية الأمريكية السابق- لكتاباته ووجهات نظره (وقد جاءت هذه التزكية في تصريح أشاد فيه بثلاثة كتّاب هم: محمد سعيد العشماوي من مصر، ومحمد أركون من الجزائر، ومحمد شحرور من سورية) فقد اتُهم محمد شحرور بالكفر ومخالفة مسلمات الإسلام، وهو واضح جداً.
وقد صدرت عدة ردود عليه لكنها ليست قوية، فهو مدعوم كثيراً من الحكومة هناك. حتى البوطي رغم ما له من نفوذ في سوريا لم يسمحوا له أن يناظره علناً، فالرجل حاصل على تزكية! وهو ينكر السنة ويدعي تفسير القرآن بدلالات اللغة العربية، رغم أنه من أجهل الناس بها. وقد كتب أحد أساتذة العربية الكبار في سوريا (يوسف صيداوي) كتاباً أسماه "بيضة الديك (نقد لغوي لكتاب الكتاب والقرآن)". يرد على جهالاته فقط في اللغة العربية، والكتاب سميك من القطع الكبير.
والدكتور له شعبية بين العلمانيين (وهم الملحدون العلنيون) وبين العصرانيين (وهم المنافقون الذين يبطنون العلمانية ويظهرون الإسلام). وتجدهم يدافعون عنه بقوة. فهو يحاضر في سوريا ولبنان ويهاجم الصحابة بل الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي هو. ولا أحد يستطيع أن يرد عليه الرد الحقيقي ويبين كفره للناس. مع أنه تمادى في الكفر لدرجة دعت بعض أئمة الكفر كذلك للرد عليه من أمثال البوطي في مجلة "نهج الاسلام" (العدد 42، ك 1، 1990)، تحت عنوان: "الخلفية اليهودية لشعار قراءة معاصرة". وهي مجلة غير منتشرة فلم يغير هذا الرد شيئاً.
ورد عليه المرتد المشهور نصر حامد أبو زيد، في "مجلة الهلال" (العدد 10، عام 1991م)، تحت عنوان: "لماذا طغت التلفيقية على كثير من مشروعات تجديد الاسلام؟"، ومقالة أخرى تحت عنوان: "المنهج النفعي في فهم النصوص الدينية" (العدد 3، عام 1992م). ورد عليه زعيم الطائفة القاديانية في سوريا: سليم الجابي، في كتابه: "القراءة المعاصرة للدكتور محمد شحرور مجرد تنجيم ـ كذب المنجمون ولو صدقوا"! وهذا الأخير صاحب منتدى "شباب لك" الساقط، وله دعم حكومي قوي. وهناك من علماء السنة من رد عليه كذلك، لكنها ردود غير قوية، لأن الردود إذا كانت قوية فلن يسمح لها بالدخول إلى سوريا ولبنان. بحجة حرية الفكر طبعاً! أما بين العوام فهم لضعفهم في العقيدة لا يفهمون غالب تلك الطوام والكفريات التي يدعو إليها.
والشيعة يشيدون بالدكتور شحرور خاصة أنه يشارك في مشروع تشييع سوريا. وله مقال ينعق فيه بما حصل في كربلاء ويمجد فيه الرافضة ويذرف فيه دموع التماسيح على الحسين رضي الله عنه.
أما عن جودت سعيد فهو أخبث بكثير من شحرور وأضر على الدين وأخطر. فإن شحرور له حماقات تنفر الناس منه ومن كتاباته. وأسلوبه استفزازي ومتعال. أما جودت سعيد فهو أذكى وأخبث من الدكتور شحرور. وأتباعه أكثر بمرات. وهي منتشرة في مجال العالم العربي. والسبب أنه يدس السم في العسل. فهو يتكلم بأسلوب فلسفي مرن. وقد يذكر أموراً صحيحة، لكنه يدس بين السطور أقوالاً كفرية مبطنة. فتمشي بين الناس. وهناك كتاب ممتاز لعادل التل يوضح فيه ضلالات هذا الملحد الإسلامي. وهناك مقالة مختصرة وممتازة تجدها في موقع الأسوة الحسنة. وألف أحد الإسلاميين كتاباً للرد على "الزنادقة الثلاثة" ويعني بهم: جودت السعيد ومحمد شحرور ومحمد إقبال.
وأنا أستغرب أني لقيت من أتباعه أقواماً مثقفين وعندهم حسن تدين. ومع ذلك هم من المعجبين به جداً. رغم أنه ليس إلا امتداداً لعمرو بن عبيد المعتزلي الذي كان يقول -بعدما يسمع الحديث الصحيح الذي لا يوافق مزاجه-: لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته، و لو سمعت زيد بن وهب يقول هذا ما أحببته، و لو سمعت عبد الله بن سعود يقول هذا ما قبلته، و لو سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول هذا لرددته، و لو سمعت الله تعالى يقول هذا لقلت له: ليس على هذا أخذت ميثاقنا!
والحديث عن جودت السعيد يستدعي الحديث عن حنان اللحام التي تلتقي معه فكرياً إلى حد ما، وقد عُرفت بدعوتها إلى تجديد النظرة التقليدية للمرأة. وتتعرض للنقد من قبل الإسلاميين، وخصوصاً في موقفها من قضية تعدد الزوجات.
ومن رموز التيار التجديدي والتي ظهرت مؤخراً الدكتور محمد حبش، عضو مجلس الشعب. ورغم أنه منتمٍ الى التيار الصوفي (جماعة كفتارو – أبو النور) إلا أنه مؤخراً دخل في صدام عنيف مع هذا التيار وصل إلى حد تبرؤ كفتارو وجماعته منه في بيان شهير وُزّع في مسجد أبي النور. وقد تمّ هذا الانشقاق بينهما على خلفية كتاب ألفه محمد حبش بعنوان "المرأة بين الشريعة والحياة" تضمن أفكاراً وُصفت بـ"أفكار ضالة". واتهمه البوطي بأنه "يرفع لواء الزندقة". كما صدرت بعض الكتب التي ترد عليه وتفند أفكاره. ومن أهل من يقول: احذروا طيور الكفر الثلاثة: الشحرور والحسون (مفتي سوريا الجديد، وهو شيعي) وديك الحبش.

ثانياً - خريطة التيار الشيعي في سورية:

يُشكل الشيعة الإمامية الاثني عشرية أقلية مذهبية في سورية، ويتركز الوجود الشيعي في مناطق محدودة من دمشق (حي الأمين وزين العابدين) ومناطق من ريف دمشق (مثل الجديدة) وفي مجموعة من قرى حلب وحمص. ومن الملاحظ أن التوجهات الإعلامية والرقابية في سورية تفرض رقابة خفيفة على تداول الكتب الشيعية، مجاملة للأغلبية السنية في سورية. ولكن يبدو أن هذه الرقابة تنحصر في دمشق فقط، وتزول في مراكز ثقل الشيعة. ولذلك فقد أصبح مركز ثقل الشيعة العلمي والفكري متركز في منطقة مقام الست زينب في ريف دمشق، والتي يقطنها أعداد كبيرة من الشيعة العراقيين، كما يوجد فيها عدد من الحوزات العلمية التي أُنشئت بدعم وتمويل ايراني. وتلعب إيران دوراً هاماً في نشر الفكر الشيعي ودعم الشيعة في سورية. وتتوزع التوجهات الفكرية للشيعة في سورية على التيارات التالية:
1- تيار ولاية الفقيه وتبني مرجعية علي خامنئي: وهو التيار الذي يحظى بالدعم والتمويل الإيراني.
2- تيار ولاية الفقيه مع تبني مرجعيات شيعية تقيم في العراق مثل الخوئي والسيستاني (الأول أرمني إيراني والثاني فارسي إيراني): وهو الغالب في أوساط الشيعة السوريين.
3- تيار تحديث وتجديد الفكر الشيعي: ويتمثل في أتباع إياد الركابي ومحمد حسين فضل الله وعلي شريعتي وأحمد الكاتب: ووجوده محدود وقليل.


نقلا عن :
http://www.ibnamin.com/

ليست هناك تعليقات: